فتبين مما قد ذكرته أن حديث وائل ضعيف بعلتين :
الأولى : ضعف شريك .
الثانية : مخالفة همام له . والله أعلم .
( تنبيه ) وقع في " موارد الظمان إلى زوائد ابن حبان " للحافظ نور الدين الهيثمي بدل " شريك " : " إسرائيل " وكنت في باديء أمري أظنها متابعة منه لشريك . وجعلت أتعجب في نفسي كيف خفيت على الدارقطني وغيره حتى قالوا : لم يروه عن عاصم إلا شريك " غير أني قلت في نفسي لعلها تصحفت عن شريك ثم إنه لا يمكن القطع في مثل هذا دون دليل قوي . وظللت هكذا حتى وصلني الجزء الثاني من "ضعيفة " شيخنا الألباني حفظه الله تعالى فإذا الأمر على ما كنت أحسب والحمد لله .
قال شيخنا حفظه الله تعالى : ( 2 / 329 ) : " وقع في الموارد : " إسرائيل " بدل " شريك " وهو خطأ من الناسخ وليس من الطابع ، فقد رجعت إلى الأصل المخطوط المحفوظ في المكتبة المحمودية في المدينة المنورة فرأيته في ( ق 35 / 1 ) : " إسرائيل " كما في المطبوعة عنه فليتنبه " اهـ .
الوجه الثاني :
قال شيخ الإسلام ـ ابن القيم ـ رضي الله عنه : " وحديث أبي هريرة لعل متنه انقلب .. الخ " .
قلت : أصاب شيخ الإسلام أجراً واحداً . فما قاله أقرب إلى الرجم بالغيب منه إلى التحقيق العلمي . وقد رده الشيخ على القاري رحمه الله تعالى في " مرقاة المفاتيح " ( 1 / 552 ) فقال : " وقول ابن القيم أن حديث أبي هريرة انقلب متنه على راويه فيه نظر إذ لو فتح هذا الباب لم يبق اعتماد على رواية راوٍ مع كونها صحيحة " اهـ وصدق يرحمه الله . فلو فتح هذا الباب لرد الناس كثيراً من السنن دونما دليل بحجة أن راويه أخطأ فيه ولعله كذا .
الوجه الثالث : أن الأحاديث التي أوردها معلولة لا تقوم بمثلها حجة ! فلا يعول على شيء منها عند أئمة النقد . والحديثان اصلهما حديث واحد . فأخرجه ابن أبي شيبة ( 1 / 263 ) ( ( ب ) ) وكذا الطحاوي ( 1 / 255 ) والبيهقي ( 2 / 100 ) من طريق محمد بن فضيل عن عبد الله بن سعيد عن جده عن أبي هريرة مرفوعاً . فذكره .
قلت : وإسناده ساقط ! وآفته عبد الله بن سعيد هذا فقد كذبه يحيى القطان . وقال أحمد : " منكر الحديث متروك الحديث . . " . وقال ابن عدي : " عامة ما يرويه الضعف عليه بين " وقال الحاكم أبو أحمد : " ذاهب الحديث " والكلام فيه طويل الذيل . ولذا قال الحافظ في " الفتح " ( 2 / 291 ) : " إسناده ضعيف " .
الوجه الرابع :
قال شيخ الإسلام ـ ابن القيم ـ : " إن كان حديث أبي هريرة محفوظاً فهو منسوخ .. " . قلت : وهو تعلق متداعٍ ! وقد سبقه إليه إبن خزيمة والخطابي . ولكن الحديث الذي زعموا أنه ناسخ حديث ضعيف . فكيف ينهض لنسخ حديث صحيح ؟ وهذا الحديث أخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " ( 1 / 319 والبيهقي ( 1 / 100 ) والحازمي في " الاعتبار " من طريق إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كميل قال حدثني أبي عن أبيه عن سلمة عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه . فذكره . ولكن إسناده ضعيف جداً ! وله علتان بل ثلاثة :
الأولى : إبراهيم بن إسماعيل هذا قال فيه ابن حبان : " في روايته عن أبيه بعض المناكير " وكذا قال ابن نمير . وقال العقيلي : " لم يكن إبراهيم يقيم الحديث " .
الثانية : أبوه إسماعيل بن يحيى متروك كما قال الأزدى والدارقطني . وقد ألمح إلى ذلك الحافظ فقال في " الفتح " ( 2 / 291 ) : " وقد ادعى ابن خزيمة النسخ ولو صح حديث النسخ لكان قاطعاً للنزاع . ولكنه من أفراد إبراهيم بن إسماعيل بن سلمة بن كميل عن أبيه وهما ضعيفان " .
الثالثة : يحيى بن سلمة واهٍ . تركه النسائي ، وقال أبو حاتم وغيره : " منكر الحديث " وقال ابن معين : " لا يكتب حديثه " . وقال الحافظ الحازمي : " أما حديث سعد ففي إسناده مقال ولو كان محفوظاً لدل على النسخ غير أن المحفوظ عن مصعب عن أبيه حديث نسخ التطبيق . والله أعلم " اهـ . وقال النووي في " المجموع " ( 3 / 422 ) : " ولا حجة فيه لأنه ضعيف " . قلت : وأقره شيخ الإسلام ـ ابن القيم ـ في " الزاد " ورغم ذلك أورده كناسخ ! . وقال شيخنا الألباني في تعليقه على " المشكاة " ( 1 / 282 ) بعد قول الخطابي في النسخ : " وهذا يعني قول الخطابي في دعوى النسخ أبعد ما يكون عن الصواب من وجهين :
الأول : أن هذا إسناد صحيح ـ يعني حديث أبي هريرة ـ وحديث وائل ضعيف .
الثاني : إن هذا قول وذاك فعل والقول مقدم على الفعل عند التعارض .
ثم وجه ثالث : وهو أن له شاهداً من فعله صلى الله عليه وآله وسلم . فالأخذ بفعله الموافق لقوله أولى من الأخذ بفعله المخالف له وهذا بين لا يخفى إن شاء الله تعالى . وبه قال مالك وعن أحمد نحوه كما في "التحقيق " لابن الجوزي " اهـ .